رحل العم أحمد البزيع الياسين عن دنيانا الفانية، وقد تحول حلمه الذي قضي جل عمره مع مجموعة من رفاق دربه يجتهدون في العمل على تحقيقه، إلى واقع ملموس وحقيقة راسخة حيث تحول بيت التمويل الكويتي من مصرف بفرع واحد عند تأسيسه في رمضان 1398 هجري الموافق 31/8/ 1978م، إلى بنك عالمي بأكثر من 250 فرعا في عدد من دول العالم، وأصبح الاقتصاد الاسلامى لغة ومفاهيم عالمية معروفة ومتداولة بين العامة وفى أسواق المال المختلفة بعد أن ظلت عقودا حبيسة الكتب، وأدراج المكتبات ، فأصبح العالم يتحدث الآن عن المرابحة والصكوك والإجارة والمشاركة وغيرها من المعاملات المالية الشرعية ، بل ويرى في الاقتصاد الاسلامى طوق نجاة من أزمات عاصفة لا تكاد تمر فترة إلا وتعصف بمقدرات الشعوب وإمكانات الدول كبيرها وصغيرها .
ولد أحمد بزيع الياسين في 6 من شوال 1346 هـ الموافق الثامن والعشرين من مارس عام 1928م، في حي القناعات وسط الكويت، يوم موقعة الرقعي الشهيرة، ونشأ في أسرة محافظة متدينة، وكان جده ياسين محمد القناعي يمتلك سفينة شراعية – وكان هو ربانها- لنقل الحجاج من الكويت والخليج العربي إلى ميناء جدة في المملكة العربية السعودية.
أما والده فقد عمل في تجارة الإبل، وكانت لديه حملة للحج حتى عام 1945م، وكان كثير الأسفار بين الكويت والشام والسعودية على ظهور الإبل وكان ابنه المغفور له أحمد البزيع قد شارك معه في تلك الرحلات.
المدرسة المباركية:
التحق العم أحمد بزيع بالمدرسة المباركية عام 1937م، فكان من الأجيال المتقدمة فيها، ساعده في ذلك حصيلة جيدة من التعليم استقاها من الكُتاب، حتى إنه حين دخل الابتدائية واختبره ناظر المدرسة الأستاذ أحمد أفندي نقله إلى الصف الرابع متوسط مباشرة، وبقي فيها إلى عام 1942م، حيث حصل على شهادة الصف الثاني الثانوي، ولم يكن بالمدرسة المباركية صف للثالث الثانوي آنذاك.
نبوغه العلمي:
وبدت مظاهر النبوغ عند أحمد البزيع في وقت مبكر، فمما روي عنه أنه عندما كان في المرحلة الابتدائية عجز طلاب الصف السادس عن حل مسألة رياضية، وكان البزيع وقتها في الصف الرابع، فاستدعاه المدرس –الأستاذ جابر حديد- فوفقه الله لحل المسألة، مما يشير إلى بروز ملامح الشخصية الاقتصادية فيه في تلك الفترة المبكرة، كما كان يميل إلى اللغة العربية والتاريخ والأدب، ويحفظ بعض الأشعار التي تتغنى بالتاريخ الإسلامي والعربي.
وكان من بين زملائه في المدرسة المباركية الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله، وعبدالرحمن سالم العتيقي، ومحمد يوسف العدساني، وعبدالله سلطان الكليب،أحمد الخطيب،خالد عيسى الصالح،إبراهيم آل عبدالرزاق، جاسم القطامي، عبدالعزيز الخالد، يعقوب القطامي، صالح شهاب، سليمان حسين البدر وغيرهم كثيرون من الشخصيات المؤثرة في تاريخ الكويت المعاصر.
ومن الشخصيات التي تلقى العلم على يدها أحمد البزيع الملا بلال أستاذه الأول في الكُتاب، والأستاذ عبدالملك الصالح، والأستاذ عبدالله النوري، والداعية الدكتور بدر المتولي عبدالباسط، وعبدالعزيز العلي المطوع رحمهم الله جميعاً.
رحلة الكفاح قبل تأسيس "بيتك":
بدأ أحمد البزيع حياته العملية بعد تخرجه في الصف الثاني الثانوي عام 1942م – وهو الصف الأخير في المدرسة المباركية- حيث عمل كاتب حسابات عند أحد التجار، وهو المغفور له العم سليمان إبراهيم المسلم -أحد المؤسسين لغرفة تجارة وصناعة الكويت- وذلك لأربع سنوات ، فاستفاد خبرة واسعة في التجارة والإدارة وتعرف على طرق المراسلات التجارية، وبعدها توجه بطلب من خاله المغفور له عبدالعزيز العلي المطوع وهو من أكثر الشخصيات التي أثرت في حياة أحمد البزيع إلى لبنان وقضى هناك عامين، حيث كان للمطوع مكتب في بيروت مختص بالأقمشة والصيرفة، ثم انتقل للعمل في المملكة العربية السعودية لمدة 6 سنوات لإدارة الشئون التجارية لخاله عبدالعزيز العلي المطوع، وقد عرضوا عليه تأسيس فرع لأحد البنوك التقليدية الكويتية في الخبر لكنه رفض العمل في بنك يتعامل بمعاملات لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وقدر الله له أن يعيش حتى عام 2009 والذي تم فيه تأسيس بيت التمويل السعودي الكويتي في مدينة الخبر أيضاً وكان يقول: أحمد الله أنني عشت حتى رأيت أحد الأحلام التي كنت أتمنى تحقيقها.
وبعد ذلك قابله المغفور له العم يوسف عبدالعزيز الفليج –أحد أعمدة الاقتصاد الكويتي المعاصر- عند مسجد السوق وقال له: " يا أحمد الآن عليك خدمة وطنك بعد هذه الغيبة في الخارج" فأثرت فيه تلك الكلمات وبدأ للالتفات إلى الاقتصاد الوطني حيث انضم في 1970م إلى غرفة تجارة وصناعة الكويت، إلى جانب العضوية في مجلس إدارة بنك الكويت المركزي، وعندما أسندت إليه الفائدة البنكية ضمن اختصاصات